كثر الحديث في السنوات الاخيرة في موضوع "التفكير التصميمي" او “Design Thinking” وعلاقة هذا النوع من التفكير بعالم ادارة الاعمال والانتاج والاستثمار وغيرها من مجالات الاعمال المختلفة. بل ان هذا الاهتمام بدا يطال ويجتذب عقول الساسة ورجال الحرب في الدول المتقدمة، فعلى سبيل المثال، بدات وزارة الدفاع الامريكية منذ سنوات عدة باستقطاب مصممين (من كافة مجالات التصميم) للعمل في صفوفها و ضمن كوادرها. هذا الاستقطاب لم يكن لغرض الاستفادة من خبرات هؤلاء المصممين ومهاراتهم الفنية التطبيقية لتصميم وتنفيذ مشاريع لصالح الجيش ووزارة الدفاع. بل لاستثمار قدرات هؤلاء المصمميين وموهبتهم في التفكير الممنهج للمساعدة على التخطيط الاستراتيجي والادارة العامة لمؤسسات آلة الحرب والدفاع الامريكي، ليحذو الجيش بهذه الخطوة حذو كبرى الشركات والمصانع العالمية كشركة "ابل" و "ياهو" و شركة "جنرال اليكتريك" وغيرها.
وفي خضم تسابق المختصين (رغم قلتهم) والمهتمين في العالم المتقدم في الكتابة والبحث والتحليل في هذا الموضوع الا انني لم اجد ما يمكن ذكره من المبادرات في عالمنا العربي وبلغتنا العربية في هذا الموضوع.لذا فقد ارتايت بان يكون التركيز على اللغة العربية في كتاباتي في محاولة لزيادة واثراء المحتوى العربي في موضوع " التفكير التصميمي" والتصميم بشكل عام .
وفي البدء لا بد من تعريف "التفكير التصميمي" والاطلاع على بعض أسباب هذا الإقبال المتنامي على هذا الموضوع وعلاقة "التفكير التصميمي" بعالم الإدارة والأعمال.
"التفكير التصميمي" هو مصطلح يشار من خلاله إلى الطرق الممنهجة والأساليب العملية التي يتبعها المصممون لتحليل وحل المشاكل التصميمية Design Problems ، وقد اثبتت التجارب والابحاث بان التفكير باسلوب المصمم واتباع هذا النمط التحليلي هو اسلوب ناجح لتحليل وحل المشاكل في مجالات اخرى غير تصميمية non-design fields.
فقد استخدم هذا الاسلوب في ادارة كبرى المؤسسات العالمية وساهم بشكل فعال في نجاح تلك المؤسسات، وخير مثال على ذلك هو عملاق التكنولوجيا "ابل ماكنتوش".
فلعدة سنوات تم تصنيف "ابل" على انها اكثر الشركات ابتكارا في العالم. وعلى الرغم من ان وصفة هذا النجاح الذي حققته "ابل" ما زالت مجهولة بسبب السرية المطلقة التي تحيط بها الشركة اعمالها، فانه ما زال من الممكن استنتاج بعض النقاط الاساسية لمكونات وصفة النجاح تلك وذلك من خلال كلمات مؤسس "ابل" ومديرها لتنفيذي الراحل "ستيف جوبز" والتي تتلخص بالتركيز على اربعة اساسيات: 1-التفكير التصميمي 2- التخطيط الاستراتيجي لتطوير وتنفيذ المنتجات 3- المدير التنفيذي والذي يجب ان يكون في نفس الوقت مديرا مبتكرا 4- اختبار وخوض مجالات العمال بثقة.
يعترف "بيل بورينت" الذي عمل سابقا في شركة "ابل" ويعمل حاليا كمدير تنفيذي وكاستاذ مساعد في برنامج التصميم في جامعة "ستانفورد"، ومؤسس "دي تو ام" في سيليكون فالي بالنجاح الباهر الذي حققته "ابل" في عالم الاعمال والذي قادها اليه "ستيف جوبز" ولكنه يعتقد بان نجاح "جوبز" ليس سحرا وانه بمقدور اي مدير تنفيذي يتمتع بابداع "ستيف جوبز" ان يحقق ما حققه اذا ما اتبع اسلوب "التفكير التصميمي" في ادارة شركته.
ويُعرَف "بورنيت" عناصر "التفكير التصميمي" على انها تعتمد على تحفيز الالهام الموجود لدى افضل الاشخاص، واختبار وتجربة كل شيء مرة تلو الاخرى وعدم القبول بما هو اقل من الافضل، والتركيز على خبرة وتجربة المستهلك، ولا ضير في الفشل او تكراره على ان يتم هذا بوقت مبكر مع التعلم والاستفادة من هذا الفشل. ويركز "بورنيت" ايضا في تعريفه على اهمية اعادة استخدام وتطوير مكونات ما ينتجه الشخص قبل ان يسبقه منافسوه الى ذلك، وان يتمتع الشخص بجرأة في تصور الافكار دون التنازل عن دقة التفاصيل او التطلب الشديد عند التنفيذ، وان ينتقي الشخص العمل مع فريق متفاني بقدر تفانيه الشخصي، واولا واخيرا ودائما والى الابد، لا بد من دمج عنصري المفاجئة والامتاع في اي تصميم مبتكر.
هذا فيما يخص تعريف "التفكير التصميمي"، ولتمام الفائدة سوف اقوم مستقبلا بالتحدث مفصلا في هذا الموضوع الى جانب البحث في اساليب ومناهج التصميم.
No comments:
Post a Comment